الحبيب بنصالح تونس
ذكري رحيل عملاق الاغنيه محمود بيرم التونسي المصري ومعاناته بين مصر وتونس وفرنسا
توفي في مثل هذا اليوم 5 جانفي من سنة : 1961 - بيرم التونسي، شاعر الشعب وهرم الزجل.
- محمود محمد مصطفى بيرم الحريري : ولد في 23 مارس 1893 - توفي في 5 جانفي 1961، (67 سنة).
- ولد بمدينة الإسكندرية لأسرة تونسية تعيش في مصر. تعلم في كتاب الشيخ جاد الله، وحفظ قصائد الأدب العربي..
- فقَدَ والده في سن الرابعة عشرة، فانقطع عن الدراسة وأدار دكان والده، لكنه لم يفلح في التجارة.
- قرر أن يكتب الشعر باللغة العامية التي يتحدث بها الشارع، وجاء صدامه مع السلطة مبكرا، فقد انتقد المجلس البلدي لفرضه ضرائب كبيرة، قائلا: "قد أوقع القلب في الأشجان والكمد.. هوى حبيب يسمى المجلس البلدي".
- عشق الصحافة، فأصدر صحيفة "المسلّة"، وكان يحرّر صفحاتها المتنوعة بنفسه، يطبعها ويوزّعها على حسابه الشخصي. واصطدم مع الرقابة التي حاولت أن توقف صحيفته.
- كانت حيلته أن يكتب على رأس الصفحة الأولى "المسلّة.. لا صحيفة ولا مجلة"، وطلب ساخرا من الحكمدار "أن يأذن له بالاتجار في الحشيش، لأنهم يمنعون حرية الصحافة ويسمحون بالحشيش".
- التقى بسيد درويش، وكتب الأغاني التي وجهت النقد للعائلة المالكة، وأيّد ثورة 1919 ضد الإنڨليز، وكتب قصيدة "البامية الملوكي والقرع السلطاني" التي أغضبت الملك فؤاد الأول، فأصدر مرسوما بنفيه.
- في كتابه "بيرم التونسي في المنفى.. حياته وأثاره"، يرى الدكتور محمد صالح الجابري أن بيرم خلال إقامته في تونس "أعمل قلمه، وأشفى غليل الناس من الاستعمار بما كتبه من مقالات سياسية جريئة، تناولت بالنقد المباشر وغير المباشر السلطة الاستعمارية وأعوانها من أجانب وتونسيين، فجعل بذلك الجرأة والإقدام والنضال من مبادئ الكتابة، وشدّ أزر التونسيين... كما انتمى الى جماعة تحت السور، وتمكن من إصدار ثلاث صحف ينتقد فيها الوضع السياسي في البلاد التي كانت تتخبط في فساد هرب منه في مصر ليجده أينما حل..".
- عاد إلى مصر متخفّيا، فألقي القبض عليه وتم نفيه إلى فرنسا، فكتب معبّرا عن معاناته:
الأوله آه والثانية آه والثالثة آه
الأوله مصر قالوا تونسي ونفوني جزاة الخير وإحساني
والثانية تونس وفيها الأهل جحدوني وحتى الغير ما صفاني
والثالثة فرنسا وفي باريس جهلوني وأنا موليير في زماني.
- "حاتجن ياريت يا خوانا.. ما رحتش لندن ولا باريز.. دي بلاد تمدين.. ونظافة وذوق ولطافة وحاجة تغيظ.. ما لاقيتش جدع متعافي وحافي وماشي يقشر خص". هكذا كتب بيرم التونسي عن انبهاره بأوروبا، رغم أنه عمل في مهن شاقة في فرنسا، منها في منجم فحم، مما أصاب رئتبه بمرض ظل يعاني منه حتى وفاته. وألهمته فرنسا رواية "السيد ومراته في باريس" التي تحكي قصة "سيّد" المصري الذي يصطحب زوجته البسيطة إلى باريس، ليتناول بسخريته اللاذعة الاختلافات بين الشعبين الفرنسي والمصري.
- في سنة 1938، تسلل بيرم إلى مصر عبر ميناء بورسعيد، واختبأ عن الأنظار حتى توسط له مدير دار الأوبرا الملكية الفنان سليمان بك نجيب، وخاطب الملك فاروق ليطلب العفو عنه. وافق الملك مقابل أن يكتب فيه بيرم زجلا يمدحه، فكتبه بيرم على مضض..
- جاء العفو، فانفتحت أبواب الفنانين على أشعار بيرم، والتقى بأم كلثوم، وقدما معا أجمل الأغاني في الأربعينيات والخمسينيات مثل "شمس الأصيل"، "الورد جميل"، "أنا في انتظارك"، "أهل الهوى يا ليل"، "يا صباح الخير ياللي معانا ياللي معانا" و"القلب يعشق كل جميل" التي وصف فيها رحلته لزيارة مكة المكرمة وأداء شعائر الحج.
- نجحت أم كلثوم في الاستيلاء الناعم على الجانب الوجداني العالي لبيرم التونسي الذي نضج عنده في الأربعينيات، كما حافظ على طابعه الثوري.
- كما كتب للسينما، وجاء اسمه في فيلم "سلامة" ككاتب للسيناريو والحوار والأغاني بعد نجمته أم كلثوم، ليؤكد على النجومية الكبيرة التي تمتع بها بيرم في مصر في منتصف الأربعينيات.
- أيّد بيرم "ثورة 23 جويلية 1952"، وكتب في مذكراته "قامت ثورة 23 يوليو، وقام الجيش بما كنت أنا أنادي به من إصلاح، كما قضى على كل ما كنت أهاجمه من فساد، والحمد لله أنني لم أمت قبل أن تتحقق آمالي".
- مدح بيرم التونسي ثورة الضباط الأحرار، كأنه يتطهّر من ذنب مدح الملك فاروق. وفي سنة 1954، كتب احتفالا بنجاة الرئيس جمال عبد الناصر عقب حادث إطلاق النار عليه في المنشية، قصيدته الشهيرة التي غنتها أم كلثوم من ألحان رياض السنباطي:
"يا جمال يا مثال الوطنية.. أجمل أعيادنا المصرية.. بنجاتك يوم المنشية".
- لم يحصل على الجنسية المصرية إلا في سنة 1953، أي قبل وفاته بــ 8 سنوات فقط. توفي في 5 جانفي 1961 في حي السيدة زينب بالقاهرة، بعد أن قضى أغلب عمره يبحث عن بطاقة هوية مصرية، رغم أن أشعاره أثبتت مصريته حتى النخاع.
- يعلق الكاتب جمعة أبو النيل -في مقاله بصحيفة الأهرام– قائلا إن بيرم التونسي استطاع بإتقانه الشديد وموهبته القوية الفياضة التي غزت قلوب الناس من جميع الفئات من مثقفين وعامة الشعب، أن يخيف شعراء الفصحى ويقلقهم، لدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقي قال عنه "أنا لا أخاف على الشعر العربي طغيان أحد أو شيء إلا بيرم وأدبه الشعبي".
أسامة الراعي
Comments